top of page
Crystal Salt

الصورة السينمائية في خدمة الذاكرة الوطنية!


بقلم الإعلامي والمخرج :عبد الباقي صلاي


إن تاريخ السينما في الجزائر تليد ومديد؛منطلقه البدايات الأولى للسينما العالمية،وتحديداً كان مع ظهور السينماتوغراف على يد الإخوة لوميير "Les frères Lumière" سنة 1895.ونستطيع أن نقول بشيء من الافتخار أن السينما في العالم بدأت تخطو خطواتها الأولى على الرقعة الجغرافية للجزائر،وذلك عندما قام الفرنسي الجزائري المولد " فليكس مسغيش "felix mesguiche" بتصوير أولى المشاهد من الجزائر سنة 1896. حيث شكلت هذه المشاهد قائمة لأفلام طويلة تم عرضها سنة 1897 تحت مسمى (الجزائر)، (دعوة المؤذن)، و (ساحة الحكومة) و (الميناء)،فضلا عن مشاهد من مدينة تلمسان.

وعلى الرغم من أن الاستعمار الفرنسي اكتشف وسيلة دعائية جديدة من خلالها حسب زعمه يضمن بها بقاءه في الجزائر لمدة أطول،فإن الجزائريين كانوا على موعد مع التاريخ، وكانوا أكثر نضج مع التواصل الفعلي مع هذه التكنولوجية الحديثة التي وثقت بالصوت والصورة لأعظم ثورة عرفها العالم في القرن العشرين.لقد كانت السينما بالنسبة لقادة ثورة التحرير المجيدة الحارس الأمين للتأريخ والتاريخ،كما كانت بمثابة فرشاة في يد فنان ملهم استطاع أن يرسم بها ملاحم كبرى للثورة التحريرية المباركة لتبقى خالدة في ذاكرة الأجيال المتعاقبة في كل عصر ومصر.

السينما الجزائرية ولدت من واقع وثورة..

الانطلاقة الفعلية للحراك السينمائي الجزائري الصرف كان بالأساس مع انطلاقة الثورة التحريرية.ولا يخفى على أحد أن فضل تأسيس أولى مدارس السينما في الجزائر يعود للمناضل الكبير والقائد التاريخي "عبان رمضان" الذي استطاع بحنكته السياسية،وببعد نظره الثاقب أن يتفق مع المناضل الفرنسي "رينيه فوتيه" سنة 1957 من أجل التصدي للآلة الدعائية الفرنسية،وإيصال صوت ومعاناة الجزائريين في الداخل إلى الرأي العام الدولي ومختلف الهيئات والمنظمات العالمية.



لقد انطلقت المدرسة السينمائية تحت اسم " مدرسة السينما" école du cinéma du maquis كقوة تضاف لقوة الثورة لتزيدها عزيمة،وتزيدها تباتاً وشرعية،ومصداقية أمام العالم.وهكذا نجد أن السينما في الجزائر ولدت ومعها عوامل حيويتها كفن إنساني ملتزم بقضايا الناس والوطن.ورغم قلة الإمكانيات ونقص الخبرة والكوادر المؤهلة،إلا أن هذه المدرسة استطاعت بفضل أعضائها وأغلبهم مناضلون في صفوف جبهة التحرير الوطني أن تنتج عدداً من الأفلام الوثائقية القصيرة التي تصور معاناة الجزائريين في الداخل،وقد ركزت أعمال هؤلاء السينمائيين الجنود على تكوين أرشيف إعلامي عن الثوار ومعاركهم،وتحركاتهم في الجبال،ساعدهم في ذلك الديكور الطبيعي الذي كانت تصور فيه الأحداث،كالجبال وأحياء القصبة.

فكان الإنتاج حينها متنوعاً ومعبراً عن الوقائع بواقعية.ومن بين الأفلام التي تم إخراجها بالتعاون أو من طرف مصلحة السينما التابعة للحكومة الجزائرية المؤقتة آنذاك،نجد جزائرنا،بنادق الحرية،وفيلم خمسة رجال وشعب واحد.كما ذاع صيت عدد من المخرجين أمثال ،بيير كليمون،سارج ميشيل،بيار شولي،محمد لخضر حمينة،وجمال شندرلي.

لقد كان مخاض ميلاد السينما في الجزائر عسيراً, لكن رغم ذلك شقت طريقها نحو تأكيد وجودها وتوثيق أحداث الثورة بالصوت والصورة،والخروج بها من شرنقة التضليل الإعلامي الفرنسي إلى فضاء أوسع, ليعرف العالم أنها ثورة أمة ترفض ظلماً طال ظلامه الدامس.

الصورة السينمائية مَددُ الذاكرة الوطنية..

لقد وضعت السينما خلال الثورة التحريرية النواة الأولى لميلاد سينما جزائرية في كنف الاستقلال،مرت ولا تزال تمر بعدد من المحطات الهامة والفارقة في تاريخ تطورها،وقد استفاد السينمائيون الشباب من التجربة النضالية وحداثتها في تصوير أعمال تعتمد على الشهادات الحية للأشخاص الذين عايشوا الأحداث وكانوا شهود العيان،فضلا عن الديكورات الطبيعية التي لا تزال تحتفظ بآثار المعارك مثل ما حدث مع فيلم "معركة الجزائر" للمخرج الإيطالي "جيلو بونتي كورفو" الذي صور في أحياء القصبة التي لا زالت آثار الدمار والرصاص على الجدران فيها عندما تم تصوير الفيلم الحائز على جائزة الأسد الذهبي في مهرجان البندقية سنة 1966.

إن أحداث الثورة التحريرية وكذا أحداث متفرقة عاشها الشعب الجزائري قبل الثورة،هي في صلب العمل السينمائي كمادة أولية يعتمد عليها من أجل تطويرها وتقديمها للمشاهدة من أجل إدراك حجم معاناة الشعب الذي عايش هذه الأحداث،وفي ذات الوقت من أجل استحداث أعمال سينمائية فنية تستطيع أن تكون إضافة ثقافية ليس فقط للفن ولكن للاقتصاد الوطني برمته.وانطلاق قناة عامة تختص ببث كل ما له صلة بالذاكرة الوطنية بقيادة طاقم شاب،ومبدع لهو دليل آخر على أن الجزائر تدرك قيمة التراث التاريخي للشعب الجزائري،وتدرك معنى أن تكون قناة للذاكرة الوطنية تعمل على توظيف كل المخزون السينماتوغرافي سواء القديم أو الحديث خدمة لصورة الجزائر في الداخل والخارج.



نتفق جميعاً على أن الساحة السينمائية في الجزائر شبه فارغة تحتاج لمن يملأها من المهتمين بالحقل السينمائي بالأفلام التاريخية،وغير التاريخية .وعلى الرغم من أننا نحوز على موروث ثقافي كبير،ونملك مخزون رهيب من الأفكار والأحداث, فإننا نحتاج بكل موضوعية لتصور واضح يعطينا القدرة على التعامل مع المادة التاريخية, واقترانها بالصورة السينمائية بكل احترافية وبكل مهنية عالية.

فلا يمكن البتة الدخول في عالم الإنتاج السينمائي, ونحن نحمل فقط في أذهاننا مواضيع متعددة عن التاريخ دونما إحاطة حقيقية بما يتطلبه الواقع السينمائي المحترف.كما لا يمكن أن تكون هناك صورة سينمائية غير مبنية على قواعد احترافية عالية نعتبرها المدد الفعلي للذاكرة الوطنية.

بحاجة إلى سينما تُشرّح الفكر الاستعماري...

عرفت الساحة السينمائية الجزائرية خلال السنوات الأخيرة عودة قوية إلى أفلام الحرب وهي الأفلام الثورية التي انتشرت مع ما يعرف بالحركات التحررية منذ النصف الأول من القرن العشرين, ولقد اهتم السينمائيون المغتربون خاصة بإخراج أفلام تعود بالذاكرة إلى تفاصيل حرب التحرير وقضايا أخرى مرتبطة بها،برؤى وتوجهات أثارت حولها الكثير من الجدل والنقاش.

وقد زاد من إنتاج الكثير من الأفلام سواء أفلام روائية طويلة،أو أفلام وثائقية تمحورت جلها حول الذاكرة التاريخية لكن بتركيز أكثر على الشخصيات الثورية وإعطائها بعداً آخراً لم تعهده السينما بداية الاستقلال, حين كانت السينما الجزائرية تعالج مواضيع عامة دون البحث في بيوغرافيا الشخصيات.

لكن ما يمكن ملاحظته خلال العقود الستة التي أعقبت الاستقلال أن السينما في الجزائر لم تركز على ما كان يفكر فيه الاستعمار الفرنسي،وكيف كانت خططه الاستعمارية،وما مدى قوة المستعمر والحضور القوي في الجزائر.لقد كانت أغلب الأفلام السينمائية تركز على قضايا كان فيها الشعب الجزائري كمقاوم،وكمظلوم وكمسلوب الإرادة.

فلم نلحظ أفلاماً تناولت بالتحليل المعمق الفكر الاستعماري من منطلق فلسفي،ومن منطلق سوسيوثقافي.كما لم نلحظ عمقاً حقيقياً في تناول الأفلام بشكل يستثير الفكر ويوقظ الغريزة الإبداعية نحو سينما جزائرية تتعدى الأفاق وتناطح إبداعات العالم في مهرجانات كبرى.



٥٤ مشاهدةتعليق واحد (١)

1 comentario


salahsermini
salahsermini
28 ene 2023

تمت القراءة

Me gusta
bottom of page