هكذا يصنع نجوم الأفلام القصيرة الدراما على الطريقة التجارية!
- نرمين حلمي
- قبل ٦ أيام
- 4 دقائق قراءة

كتبت نرمين حلمي:
وسط الزخم الفني لموسمي دراما رمضان وأفلام عيد الفطر، دوماً ما يتألق مجموعة من الشباب الجدد على الصناعة الفنية، سواء من الممثلين أو المخرجين أو المؤلفين وغيره من طاقم العمل الفني الذي يعد بمثابة فرصة التعارف الأولى بينهم والجمهور.
ومع نضوج موهبتهم على الشاشة في أشكال عدة، تتكشف حيلهم القديمة على الزمن؛ لأجل اكتسابهم المهارات، واتكاءهم على أساس فني رصين، يتحمل مسؤولية وتبعات الجماهيرية المنتظرة أو المحققة.
بعض منهم يتجه للأفلام القصيرة رغبة منه لسد ثغرات الفراغ الفني الذي يتملكه؛ إلى أن يجد ضالته في الشخصية الدرامية التي يحلم بتجسيدها على شاشة السينما أو التلفزيون.
إلا أنه أخرون يتجهون لبوابة الشريط السينمائي الذي لا يتعدى دقائق معدودة، قد لا تتجاوز خمسة عشر دقيقة عن هدف؛ مقصده التطرق لمعرفة الذات، ومن ثمً معرفة كيف تريد أن يشعر الناس إزاء العالم.
عدسة الإخراج
وفي أعقاب هذا الموسم السينمائي المنصرم؛ خلال شهر أبريل /نيسان الجاري، سواء من خلال منافسة الأفلام التجارية الشبابية الجديدة في شباك تذاكر السينما أو طرح بعض من الأعمال السينمائية الناجحة للعرض لأول مرة رقمياً من خلال المنصات الرقمية بعد انتهاء جولتها بالسينمات على مستوى الوطن العربي.
يظهر الوجه الفني الأخر لصناع الأفلام التي تسيطر على ذائقة الجمهور، وتحقق نسب مشاهدة عالية؛ وفقًا لتصدرها صفحات مواقع التواصل الاجتماعي وبالتالي التريند؛ منذ إطلاقها للعرض رقميًا خلال بضعة أيام قليلة ماضية.
والتي يأتي على رأسها فيلم "٦ أيام"، مع انطلاق عرضه على منصة "يانجو بلاي"، للمؤلف وائل حمدي والمخرج كريم شعبان، ومن بطولة الفنانين أحمد مالك وآية سماحة، إذ تصدر اهتمامات مستخدمي كافة مواقع السوشيال ميديا "فيسبوك" و"تيك توك" و"إنستجرام" و"إكس".
حالة من التماهي اجتاحت المشاهدين مع مشاهدة فيلم "٦ أيام"؛ والحقيقة إنه سر هذا التماهي لا يتوقف على قصة الفيلم فحسب؛ بل في قدرة المخرج على توجيه المشاهدين لما يريد أن يشعرون به حقًا تجاه العالم من خلال المناظر والملابس والديكورات والحالة!
المخرج كريم شعبان يقدم فيلمه الروائي الأول "٦ أيام"، بعد مجموعة من التجارب الفنية المتميزة والناجحة له؛ والتي يأتي أبرزها؛ الفيلمان القصيران "إن شالله الدنيا تتهد" بطولة النجمة سلمى أبو ضيف، و"شيفت مسائي" بطولة النجم عصام عمر.
هنا "شعبان" مع "سلمى" و"عصام"، نجح في التعبير عن فكرة ذاتية مستقلة صعبة ومؤرقة للنفس (كغاية الأفلام القصيرة التي تهتم بالخاص وليس العام)، خلال فترة زمنية لا تصل لنصف ساعة، وبعيدًا عن دراما الحشو أو المماطلة؛ من خلال حوارات موجزة وصور بديعة وملغمة بالمعاني.
هذه الحالة بالضبط التي عمل عليها بالتوازي في فيلمه الأخير الناجح "٦ أيام"؛ عندما قرر أن يوظف الأغاني العربية الشهيرة والشعبية ضمن رؤية وأحلام وطموحات الأبطال "يوسف/أحمد مالك" و"عالية/آية سماحة".
كذلك توظيف المشاهد في الشوارع والحارات والطرقات المصرية وسط المارة في الشوارع، بعيدًا عن الاستوديوهات، على نفس إيقاع عدسة الأفلام القصيرة التي تلتقط لقطة عابرة من يوم تقليدي وتقلب مسار أبطاله وزمنه ومصيره!
توجيه الممثلين لا يخلو من قدرات صانع الأفلام القصيرة؛ تلك المهارات التي تتكأ على ملامح النجوم التعبيرية بالوجه وحركات العينين واليدين وطريقة السير؛ حتى إننا نلاحظ اختلاف المسافات بين البطلين أثناء سيرهم في الشوارع خلال عدة أعوام مختلفة.
نحن نرى التهام الزمن لعلاقتهما من خلال المسافات، ونشعر بسيطرة أحدهم مع تقدمه عن السير بالمقارنة بالأخر، أنت تدرك بداية ووسط ونهاية كل مشهد درامياً، وفقاً للغة الصورة قبل الكلام.. وهنا أيضاً يحقق معادلته الأصعب في صناعة فيلم روائي بنكهة بلاغة الفيلم القصير!
أداء الممثل
هذا الاختبار الفني تخطته أيضاً بمهارة فائقة، النجمة الصاعدة ياسمينا العبد؛ التي لا تزال في سن صغيرة من ممثلي الجيل Z، وهي النموذج الأكثر وضوحاً وقوة لنظرية عدسة الأفلام القصيرة الكاشفة للمهارات والقدرات التمثيلية بالمقارنة مع زملائها الفنانين أبناء الثلاثين الذين اتبعوا نفس المسلك المهني من الروائي القصير للطويل.
ياسمينا العبد تكرر اسمها كثيراً طوال أيام الشهر الفضيل المنقضي؛ عَبر صفحات السوشيال ميديا؛ مع ظهورها في شخصية "زينة" بمسلسل "لام شمسية"، ابنة المتحرش بالأطفال، وطوال رحلتها الدرامية وحتى نظراتها المشمئذة الأخيرة في وداع والدها "وسام/ محمد شاهين" بالمحكمة لم تفارق ملامح "زينة" البريئة قلوب الجمهور.
حتى إن الجمهور أعاد للواجهة لقطات لها ونظراتها القوية في شخصية "مايا" التي جسدتها ياسمينا العبد في الفيلم القصير The shadow of Cairo ذات الخمسة عشر دقائق؛ ويتاح عرضه الآن على موقع الفيديوهات "يوتيوب".
رغم حالة الجدل التي يثيرها هذا الفيلم القصير، الذي ينتقد بعضاً من التصرفات البغيضة والموحشة للمجتماعات كالتحرش؛ تلك المسكوت عنها في بوتقة العيب والحلال والحرام، وسط مطالب بضرورة الحفاظ على المسلمات الشهيرة التي تمس الأعراف أو الأديان!
باستثناء هذه الحالة من مناوشات الآراء سواء اتفقت أو اختلفت معها كمُشاهد؛ إلا إنه عدسة الأفلام القصيرة هنا أخذتك من يدك للعالم وضغطت على آلامك المكبوتة وأيقظت ترومات كثيرة؛ الذكوري أو الانثوي منها؛ عَبر عباءة سوداء تتسلل في الأماكن المقدسة والشوارع بحثًا عن الحياة.
عدسة روح سائرة تائهة من خلال هذه البطلة الطفلة القبطية "مايا" التي لا تتحدث كثيرًا؛ لكنها تبعث رسالتها -الطفولية- نوعًا ما للعالم من خلال سلوكها ونظراتها وتشتتها وضياعها ومرورها بمشاعر الفقد والتيه بدون أمها (الحقيقية) أو وطنها (مجازًا).
إطلالة الطفلة ياسمينا العبد في هذا الفيلم القصير، والتي تكشف عن اختياراتها الفنية القوية والمختلفة منذ نعومة أظافرها الفنية بمسارها المهني، فضلاً عن تريند فيلم "٦ أيام" الذي يحقق نجاحاً رقمياً كبيراً بعد عرضه في السينمات قبل حوالي شهرين ونصف في شهر يناير/كانو ثاني الماضي.. كلها سمات فنية لا تكشف سوى عن أصالة موهبة صناعها؛ تلك الموهبة الكامنة التي يدفعونك بها للسؤال؛ كيف وماذا تشعر حقاً تجاه العالم؟