top of page
Crystal Salt

نادي سينما شرم الشيخ في باريس

صلاح سرميني/باريس


شرم الشيخ

بالنسبة لي، أُفضّل مشاهدة الأفلام في صالات الفنّ والتجربة المُنتشرة في كلّ أحياء باريس، وهي تُعتبر بمثابة مكتباتٍ سينمائيةٍ مُصغرّة (سينماتك)، ومن بين مزاياها، أنها تستقبل عروضاً مُنتظمة (شهرية) لنوادي سينما مختلفة التيمات، والتوجهات، والاختصاصات، وكما عادتي اليومية في مراجعة برامج عروض عموم الصالات الباريسية من أجل اختيار فيلمٍ لمُشاهدته، توقفتُ عند البرمجة الأسبوعية لصالة (L'Archipel) حيث لفت انتباهي عرضاً مسائياً يقدمه "نادي سينما شرم الشيخ"، وقتذاك لم يخطر في بالي أبداً أن يكون هذا النادي مخصصاً لعرض الأفلام المصرية، لأنني أعرف مُسبقاً، ومنذ سنواتٍ طويلة بأنه لم/ولن يتجرأ أحدٌ من المصريين، أو العرب على تأسيس نادي سينمائي يهتمّ حصرياًً بعرض الأفلام المصرية، وذلك لعدة أسبابٍ، ومنها، لا يوجد هذا الشخص المُتحمّس لنشاطٍ تطوعيٍّ مؤقتٍ، أو دائم، وإن وُجد، من المفترض معرفته، بأنه لا يوجد جمهورٌ للأفلام المصرية الجماهيرية في باريس (وفرنسا بشكلٍ عامّ)، خاصةً وأنها متوفرة للمُشاهدة المجانية عن طريق الأنترنت، والأفلام المُقرصنة، أو القنوات الفضائية العربية، أما الأفلام المصرية العابرة للقارات (أفلام يوسف شاهين مثلاً)، والقابلة للعرض على جمهورٍ (فرنسيٍّ، وأجنبيّ) نخبويّ، فهي متوفرةً من وقتٍ إلى آخر في صالات المؤسّسات السينمائية الكبرى مثل: السينماتك الفرنسية، ملتقى الصور، ومركز جورج بومبيدو..

وبعد أن خطرت في ذهني كلّ تلك الأسئلة، وأجوبتها المُفترضة، دفعني الفضول أكثر للبحث عن إجابةٍ مؤكّدة من الموظفة الجالسة خلف شباك التذاكر تستقبل الزبائن القلائل قبل كلّ عرض، ومنها فهمتُ اللغز الكامن في اختيار اسم هذا النادي، وبعدها لاحقاً تزوّدت بمعلوماتٍ إضافيةٍ من مصادر أنترنتية متعددة.

إذاً، هو نادي سينما في قلب باريس (وليس في شرم الشيخ)، لا يشبه أيّ نادي آخر، حيث أن كلّ جلسة عرضٍ مختلفة عن الأخرى، مع عدة أفلامٍ قصيرة، أو فيلم طويل، مع ضيوفٍ، أو بدون ضيوف، مفاجآتٍ، أو بدون مفاجآت، مناقشاتٍ بالعصيّ، أو تبادل أفكارٍ باردة، وذات طابع رياضيٍّ متسامح.

يعود تاريخ جلسة العرض الأولى إلى 4 أكتوبر 2020، "فيلمان بثمن تذكرة واحدة" (على طريقة صالات السينما الشعبية في زمنٍ مضى):

كان الفيلم الأول، بدوره يتكوّن من ثلاثة أفلامٍ قصيرة: (Tre passi nel delirio)، والعنوان الفرنسي Histoires extraordinaires، فيلمٌ فرنسيٌّ/إيطاليٌّ من إنتاج عام 1968 وإخراج: فيديريكو فيلليني، روجيه فاديم، ولويّ مال.

والثاني: فيلمٌ فرنسيٌّ قصيرٌ بعنوان " Ultra Pulpe" للمخرج الفرنسي برتران مانديكو من إنتاج عام 2018.

بعد ذلك، وبمُعدل يوم أحدٍ من كلّ شهر، تتناوب الأفلام بين الكلاسيكيّات، والنادرة، والغريبة، وعجائب الماضي، أو المُعاصرة.

فرصةُ لمشاهدتها، والتحدث عنها، وأيضاً للدردشة عما ستكون عليه حياتنا في الأوقات الفوضوية تماماً، وغير المتوقعة، والمضطربة التي نعيشها اليوم.

صاحب المُبادرة، ومؤسّس النادي شخصيةٌ فكريةٌ/أدبيةٌ/سينمائيةٌ معروفة في فرنسا، "باكوم تييلمو" (من أصولٍ فرنسية/مصرية)، وقد منح لناديه اسم شرم الشيخ، ليس لأنها المدينة المصرية السياحية الأشهر، ولكن، تكريماً لذكرى اختفاء صالةٍ في وسط الصحراء، تُعتبر آخر سينما قبل نهاية العالم.

هذا المٌتعدد المواهب، والانشغالات، يكرّس نفسه أيضاًً للسينما التجريبية بالتعاون الوثيق مع توما بيرتيه، وقد تمّ عرض بعض أعمالهما في "قصر طوكيو" بباريس.

ولكن، ما حكاية تلك السينما المُختفية وسط الصحراء؟

بالبحث الأنترنتي وجدتها فعلاً.

واحدةٌ من المعلومات النادرة تذكر أنه في الطريق عبر رمال الصحراء للوصول إلى أغرب صالةٍ في العالم، يبدو المشهد وكأنه ما بعد نهاية العالم.

صالةٌ في الهواء الطلق مهجورةٌ لم تشهد عرضها الأول أبداً، ومع الزمن تعرّضت مقاعدها الـ 700 للعوامل المناخية القاسية (200 مقعد في مصدر آخر).

في الطرف الجنوبيّ من شبه جزيرة سيناء في مصر، الصالة المهجورة، يُطلق عليها سكان تلك المنطقة "سينما نهاية العالم" مع أنهم رُبما لم يشاهدوا أبداً أفلاماً كوارثيةً، أو ما بعد قيامية كي يستوحوا منها هذا العنوان الكابوسيّ.

الطريف، أنها كانت مشروعاً جنونياً، حققه الفرنسيّ دين إيدل في أواخر التسعينيّات (التاريخ غير دقيق وُفق مصدرٍ آخر)، ولكن، في ليلة العرض الافتتاحيّ الأول تعرضت الصالة لانقطاع التيار الكهربائيّ.

لا أحد يعرف ما الخطأ الذي حدث، لكن البعض يقول بأن السلطات المحلية لم تكن مبتهجةً باحتمال وجود صالة سينما في وسط الصحراء، وتوجهت نحوها مسؤوليه تعطيل المُولد الكهربائيّ.

في ذلك الوقت، وقبل تلك الحادثة المُفتعلة، أخبر إيدل مصوراً صحفياً زائراً بأن "الحديقة الجوراسية" سيكون أول فيلم يتمّ عرضه في تلك الصالة.

وُفقًا للنشرة الصحفية، أو الإخبارية للصالة، كان المقصود من ذلك المشروع "التأكيد على أن السياحة ليست بالضرورة عنصراً مدمراً، وأن صالةً كبيرةً وسط الصحراء يمكنها التوفيق بيننا، وبين عناصر الطبيعة".

ومع ذلك، لم يتحقق حلم إيدل مع عدم وجود خططٍ أخرى لإحياء الصالة في سيناء.

اليوم، يركب الفضوليون الدراجات النارية عبر الصحراء كي يشاهدوا صفوف المقاعد المهجورة، ويتأملون تلال سيناء المرسومة على شاشة سماء مليئة بالنجوم.

تذكر آخر الأخبار عن هذه الصالة الشبحية، بأنها تعرّضت للنهب، ولحقت بها أضراراً جسيمة، وفي شهر أبريل من عام 2018 تمّ إغلاق المنطقة أمام السيّاح من قبل الحكومة المصرية.


هامش: في إحدى المنصات الإلكترونية الفرنسية عثرتُ على منشورٍ يعود تاريخه إلى 23 أبريل 2014، ويعتمد على معلومةٍ أرسلتها مُصورةٌ فوتوغرافيةٌ مصرية اسمها نهى زايد، وفيه نقرأ خبراً عن تدمير الصالة، وقد يكون الأمر نهباً من أجل سرقة الخردة المعدنية للمقاعد.

المقالة نُشرت في جريدة القاهرة العدد 1198 ـ 04 يوليو 2023

١٣ مشاهدةتعليق واحد (١)

1 Comment


salahsermini
salahsermini
Jul 21, 2023

شكراً

Like
bottom of page